كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر {وحملناه} يعني نوحًا {على ذات ألواح} يعني سفينة ذات ألواح.
وأراد بالألواح، خشب السفينة العريضة.
{ودسر} هي المسامير التي تشد بها الألواح وقيل الدسر صدر السفينة.
وقيل: هي عوارض السفينة وأضلاعها.
وقيل: الألواح: جانبا السفينة، والدسر: أصلها وطرفاها.
{تجري} يعني السفينة {بأعيننا} يعني بمرأى منا.
وقيل: بحفظنا.
وقيل: بأمرنا {جزاء لمن كان كفر} يعني فعلنا ذلك به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثوابًا لنوح لأنه كان كفر به وجحد أمره.
وقيل لمن بمعنى لما أي جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم.
وقيل: جزاء لما صنع بنوح وأصحابه.
{ولقد تركناها آية} يعني الفعلة التي فعلنا بهم آية يعتبر بها.
وقيل: أراد السفينة.
قال قتادة: أبقاها الله تعالى بأرض الجزيرة عبرة حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة {فهل من مدكر} يعني متذكر معتبر متعظ خائف مثل عقوبتهم عن ابن مسعود قال «قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكر فردها عليّ» وفي رواية أخرى «سمعته يقرؤها فهل من مدكر دالًا» {فكيف كان عذابي ونذر} يعني إنذاري {ولقد يسرنا القرآن} يعني سهلنا القرآن {للذكر} يعني ليتذكر ويعتبر به قال سعيد بن جبير يسرناه للحفظ والقراءة وليس شيء من كتب الله تعالى يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن {فهل من مدكر} يعني متعظ بمواعظه وفيه الحث على تعليم القرآن والاشتغال به لأنه قد يسره الله وسهله على من يشاء من عباده بحيث يسهل حفظه للصغير والكبير والعربي والعجمي وغيرهم.
قوله تعالى: {كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر} أي إنذاري لهم بالعذاب {إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا} أي شديدة الهبوب {في يوم نحس} أي يوم شؤم {مستمر} أي دائم الشؤم استمر على جميعهم بنحو سنة فلم يبق منهم أحد إلا هلك فيه.
وقيل: كان ذلك اليوم يوم الأربعاء في آخر الشهر {تنزع الناس} أي الريح تقلعهم ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتدق رقابهم.
قيل: كانت تنزعهم من حفرهم {كأنهم أعجاز نخل} قال ابن عباس: أصول نخل {منقعر} أي منقطع من مكانه ساقط على الأرض.
قيل: كانت الريح تبين رؤوسهم من أجسامهم فتبقي أجسامهم بلا رؤوس كعجز النخلة الملقاة {فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت ثمود بالنذر} أي بالإنذار الذي جاء به صالح {فقالوا أبشرًا منا واحدًا} يعني آدميًا واحدًا منا {نتبعه} أي ونحن جماعة كثيرون {إنا إذًا لفي ضلال} أي خطأ وذهاب عن الصواب {وسعر} قال ابن عباس: عذاب.
وقيل: شدة عذاب وقيل إنا لفي عناء وعذاب مما يلزمنا من طاعته.
وقيل: لفي جنون.
وقيل: لفي بعد عن الحق.
{أألقي الذكر عليه} يعني أأنزل الوحي عليه {من بيننا بل هو كذاب أشر} أي بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعائه النبوة {سيعلمون غدًا} أي حين ينزل بهم العذاب.
وقيل: يعني يوم القيامة وإنما ذكر الغد للتقريب {من الكذاب الأشر} أي صالح أم من كذبه {إنا مرسلوا الناقة} أي باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا، وذلك أنهم تعنتوا على صالح فسألوه أن يخرج لهم من صخرة حمراء ناقة عشراء فقال الله تعالى إنا مرسلو الناقة {فتنة} أي محنة واختبارًا {لهم فارتقبهم} أي فانتظر ما هم صانعون {واصطبر} أي على أذاهم {ونبئهم} أي أخبرهم {أن الماء قسمة بينهم} أي بين الناقة وبينهم لها يوم ولهم يوم وإنما قال تعالى بينهم تغليبًا للعقلاء {كل شرب} أي نصيب من الماء {محتضر} أي يحضره من كانت نوبته فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها وإذا كان يومهم حضروا شربهم.
وقيل: يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة فإذا جاءت حضروا اللبن {فنادوا صاحبهم} يعني قدار بن سالف {فتعاطى} أي فتناول الناقة بسيفه {فعقر} يعني الناقة {فكيف كان عذابي ونذر} ثم بين عذابهم فقال تعالى: {إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة} يعني صيحة جبريل {فكانوا كهشيم المحتظر} قال ابن عباس: هو الرجل يحظر لغنمه حظيرة من الشجر والشوك دون السباع فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم.
وقيل: هو الشجر البالي الذي يهشم حين تذروه الرياح.
والمعنى: أنهم صاروا كيبيس الشجر إذا بلي وتحطم وقيل كالعظام النخرة المحترقة وقيل هو التراب يتناثر من الحائط.
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
قوله تعالى: {كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبًا} يعني الحصباء وهي الحجارة التي دون ملء الكف وقد يكون الحاصب الرامي، فعلى هذا، يكون المعنى إنا أرسلنا عليهم عذابًا يحصبهم أي يرميهم بالحجارة ثم استثنى.
فقال تعالى: {إلا آل لوط} يعني لوطًا وابنتيه {نجيناهم} يعني من العذاب {بسحر نعمة من عندنا} أي جعلناه نعمة منا عليهم حيث نجيناهم {كذلك نجزي} أي كما أنعمنا على آل لوط كذلك نجزي {من شكر} يعني أن من وحد الله لم يعذبه مع المشركين {ولقد أنذرهم} أي لوط {بطشتنا} يعني أخذنا إياهم بالعقوبة {فتماروا بالنذر} أي شكوا بالإنذار ولم يصدقوا وكذبوا {ولقد راودوه عن ضيفه} أي طلبوا منه أن يسلم إليهم أضيافه {فطمسنا أعينهم} وذلك أنهم لما قصدوا دار لوط عالجوا الباب ليدخلوا عليهم فقالت الرسل للوط خل بينهم وبين الدخول فإنا رسل ربك لن يصلوا إليك فدخلوا الدار فصفقهم جبريل بجناحه فتركهم عميًا بإذن الله يترددون متحيرين لا يهتدون إلى الباب وأخرجهم لوط عميًا لا يبصرون.
ومعنى: فطمسنا أعينهم، يعني صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق.
وقيل: طمس الله أبصارهم فلم يروا الرسل فقالوا لقد رأيناهم حين دخلوا فأين ذهبوا؟ فلم يروهم {فذوقوا عذابي ونذر} يعني ما أنذركم به لوط من العذاب {ولقد صبحهم بكرة} أي جاءهم وقت الصبح {عذاب مستقر} يعني دائم استقر فيهم حتى أفضى بهم إلى عذاب الآخرة {فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}.
قوله: {ولقد جاء آل فرعون النذر} يعني موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام.
وقيل: النذر، الآيات التي أنذرهم بها موسى {كذبوا بآياتنا كلها} يعني الآيات التسع {فأخذناهم} يعني بالعذاب {أخذ عزيز مقتدر} يعني غالب في انتقامه قادر على إهلاكهم لا يعجزه عما أراد ثم خوف كفار مكة.
{أكفاركم خير من أولئكم} يعني أقوى وأشد من الذين أحللت بهم نقمتي مثل قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وآل فرعون وهذا استفهام إنكار، أي، ليسوا بأقوى منهم {أم لكم براءة} يعني من العذاب {في الزبر} أي في الكتب أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية {أم يقولون} يعني كفار مكة {نحن جميع} يعني أمرنا {منتصر} يعني من أعدائنا والمعنى: نحن يد واحدة على من خالفنا منصرون ممن عادانا.
ولم يقل منصرون لموافقة رؤوس الآي.
وقيل: معناه نحن كل واحد منا منتصر كما يقال: كلهم عالم، يعني: كل واحد منهم عالم.
قال الله تعالى: {سيهزم الجمع} يعني كفار مكة {ويولون الدبر} يعني الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي.
وقيل في الإفراد، إشارة إلى أنهم في التولية والهزيمة كنفس واحدة، فلا يتخلف أحد عن الهزيمة ولا يثبت أحد للزحف فَهُمْ في ذلك كرجل واحد (خ).
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في قبة يوم بدر «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد هذا اليوم أبدًا فأخذ ابو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك فخرج وهو في الدرع وهو يقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر».
وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب يقول: لما نزلت سيهزم الجمع ويولون الدبر: كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر فعلمت تأويلها {بل الساعة موعدهم} يعني جميعًا والساعة أدهى وأمر، أي أعظم داهية وأشد مرارة من الأسر والقتل يوم بدر.
قوله: {إن المجرمين} يعني المشركين {في ضلال وسعر} قيل في بعد عن الحق وسعر أي نار تسعر عليهم.
وقيل: في ضلال في الدنيا ونار مسعرة في الآخرة.
وقيل: في ضلال، أي عن طريق الجنة وسعر أي عذاب الآخرة ثم بين عذابهم فقال تعالى: {يوم يسحبون} أي يجرون {في النار على وجوههم} ويقال لهم {ذوقوا مس سقر} أي ذوقوا أيها المكذبون لمحمد صلى الله عليه وسلم مس سقر.
{إنا كل شيء خلقناه بقدر} أي مقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ.
وقيل: معناه قدر الله لكل شيء من خلقه قدره الذي ينبغي له.
وقال ابن عباس: كل شيء بقدر حتى وضعك يدك على خدك.
فصل في سبب نزول الآية وما ورد في القدر وما قيل فيه:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق كلها قبل أن يخلق السموات والأرض وخمسين ألف سنة» قال وعرشه على الماء.
عن أبي هريرة قال: «جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت هذه الآية {إن المجرمين في ضلال وسعر} إلى قوله: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (م) عن طاوس قال: أدركت ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر الله تعالى قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز».
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع: يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني بالحق، ويؤمن بالموت، وبالبعث بعد الموت، ويؤمن بالقدر» أخرجه الترمذي.
وله عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون وهو منكر الحديث.
وفي حديث جبريل المتفق عليه: وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: صدقت ففيه ذم القدرية.
عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدر من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوه وهم من شيعة الدجال وحق على الله أن يلحقهم بالدجال».
أخرجه أبو داود وله عن أبي هريرة مثله «وزاد فلا تجالسوهم ولا تفاتحوهم في الكلام».
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية» أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.